رمضان يعيد “كاراكوز” للحياة في ليالي اسطنبول

by hassan

 

خاص بسفراء

يفتش كثير من الناس عن أرزاقهم حتى في حواصل الطيور، لكن قلة منهم من يبحثون عن آفاق العمل باستغلال فرص غير بادية للعيان مثلما يفعل “كاراكوز” في شهر رمضان بتركيا.

إذ تعود العديد من الشخصيات التاريخية والتراثية التركية للحياة في أوساط الناس خلال شهر رمضان المبارك ومن بينها شخصية كاراكوز المعروف في تراث الطفل التركي ضمن حكايا “كاراكوز وحجي وات”.

فأينما تجمع الأهالي في ليالي رمضان وأمسياته، يظهر كاراكوز بثيابه الملونة ووجهه البهلواني ليجذب انتباه الحضور الذين يسارعون لالتقاط الصور التذكارية معه.

وكما يحيي شهر الصيام عظام هذه الشخصيات وهي رميم، فإن لياليه تبعث الروح في الكثير من صور التراث العثماني العريق وقصصه التي تجاوزت حدود تركيا لتصبح تراثاً عالمياً ما زال حياً إلى يومنا هذا في الكثير من البلدان.

فمن هو كاراكوز الذي دأب العرب على تشبيه الشخصيات الهزلية به؟؟

تعني كلمة كاراكوز باللغة التركية العين السوداء وهي تكتب بالحرف اللاتيني في تركيا Kara göz، وقد أطلق هذا الاسم على أحد شخصيتي مسرح الظل العثماني الشهير ، وهو شخصية البطل المباشر البسيط الذي يواصل الجدل والتعارك مع شخصية البطل الواعي المثقف النقيض “حجي وات” والذي يعني اسمه بالتركية hacı vat وتعني “الحاج عوض”، وقد حرفت في كثير من الدول العربية إلى إسم عيواظ.

ويعيد المؤرخ التركي الشهير أوليا شلبي ظهور هاتين الشخصيتين إلى عهد السلطان بايزيد الأول في القرن الرابع عشر، لكن هناك روايات أخرى تشير إلى صعود كاراكوز خشبة المسرح للمرة الأولى أمام السلطان سليم الأول في العام 1517.

ويقال أن كاراكوز وحاجي وات الحقيقيين تشاجرا ذات يوم أمام حريم السلطان وتفوها بكلمات نابية خلال شجارهما فأمر السلطان بقطع رأسيهما، وحين جاء دور العرض المسرحي مساء طلب السلطان إحضار المهرجين، لكن مساعده أخبره أنهما قد أعدما، فغضب السلطان ولم يصدق ذلك وهدد بقطع رأس من قطع رأسيهما، فخرج مساعده وهو مغتم حتى وجد من أوحى له بفكرة أن يخيط جلوداً تشبه ملابسهما، ويتنكر فيها ممثلين آخرين يقومان بدورهما ويقلدان صوتيهما أمام السلطان ومن هنا ولدت فكرة هذين الشخصين في مسرح الظل، وانتشرت في كثير من البلدان التي كانت تحت الحكم العثماني لكنها تركزت في الأناضول وعموم تركيا وفي اليونان.

واليوم، وبعد خمسة قرون على مولد كاراكوز، ما زال مسرح الظل العثماني فناً معرباً في سوريا وفلسطين ولبنان ومصر وعدد من الدول العربية.

أما في تركيا، فيخرج كاراكوز من قبره في شهر رمضان المبارك لتصادفه عياناً بين آلاف المفطرين في ساحة جامع سلطان أحمد، كما تراه يسعد الأطفال الذين يتناولون إفطارهم بعد نصف يوم من صيام العصفورة في ساحة جامع أبو أيوب الأنصاري بمنطقة أيوب سلطان.

ويقدم كاراكوز وحاجي وات صورة تجسيدية حية للفنون التركية التاريخية التي تعود للحياة في شهر رمضان الكريم.

ففي ليالي الشهر الفضيل يستمتع زوار اسطنبول العرب بغناء شعراء وعازفون على الأدوات الفنية التقليدية في أمسيات يتخللها الغناء الديني والصوفي من ذات الكلمات التي كانت تعزف في العهد العثماني القديم.

ويمكن لزائر اسطنبول في كل أيام العام أن يمعن النظر جيداً في تاريخ المدينة وحكاياتها القديمة، لكن شهر رمضان يظل من أكبر الشواهد الزمنية على عمق ذلك التاريخ.

WhatsApp chat